Home / اخبار

هل نحن على أبواب نظام مالي عالمي جديد؟

يترقب العالم يوم 15 غشت 2023, اجتماع دول البريكس بجنوب افريقيا و الذي من المقرر ان يعلن عن عملة جديدة مرتبطة أساسا بالذهب ، إجراء، ان حدث، “قد يعجل بموت” الدولار رسميا و يخلق زلزالا اقتصاديا عالميا.

يرجع النظام المالي الحالي إلى اتفاقية بريتون وودز ( Bretton Woods)‏ ا وهو اسم لمؤتمر النقد الدولي الذي انعقد في يوليو 1944 في غابات بريتون في نيوهامبشر بالولايات المتحدة الأمريكية. حضر المؤتمر ممثلون لأربع وأربعين دولة. و وضعوا أنداك الخطط من أجل استقرار النظام العالمي المالي وتشجيع إنماء التجارة بعد الحرب العالمية الثانية. و أنشأ بريتون وودز منظمتين دوليتين هما: صندوق النقد الدولي و البنك الدولي للإنشاء والتعمير.

نظام بريتون وودز (Bretton Woods System) هو نظام نقدي أرسى قواعدَ تُعنى بإدارة العلاقات التجارية والمالية بين الدول الصناعية الكبرى في العالم في منتصف القرن العشرين. و بموجب هذا النظام، كانت جميع العملات مرتبطة بالدولار الأمريكي، والذي كان بدوره مرتبطًا بسعر الذهب.

الا ان ارتباط الدولار بالذهب لم يدم طويلا. و ظهرت ما يسمى صدمة نيكسون Nixon shock اوائل السبعينيات. و هي سلسلة من التدابير الاقتصادية التي قام بها رئيس الولايات المتحدة ريتشارد نيكسون في عام 1971، وأهمها كان إلغاء التحويل الدولي المباشر من الدولار الأمريكي إلى الذهب.

أتى هذا، بعد فترة (الستينات) حيث عانت فيها موازين التجارة العالمية عجزا مهولا لدى عدة دول و من بينها الولايات المتحدة بلد الارتكاز. العجز في ميزان المدفوعات خلق استنزافا مستمرا لاحتياطيات الذهب. مما جعل الدول تحت ضغط مستمر لخفض قيمة عملاتها.

انتهى نظام بريتون وودز فعليًا في أوائل السبعينيات عندما أعلن الرئيس ريتشارد نيكسون أن الولايات المتحدة لم تعد تستبدل الذهب بالعملة الأمريكية. الاجراءات الأمريكية لم تلغ النظام بشكل رسمي إلا أن تعليق بند واحد من مكوناته الرئيسية جعل بريتون وودز غير قابل للتنفيذ رغم الإصلاحات التي قام بها نيكسون و التي كانت في مجملها فاشلة. و بحلول عام 1973 تم استبدال نظام بريتون وودز، بحكم الأمر، الواقع إلى نظام تعويم العملات الورقية الذي لا يزال العمل به قائماً حتى الآن.

في ظل التوترات الاقتصادية الحالية، رفع الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة الأميركية مراتٍ متتالية، الأمر الذي زاد من قوة الدولار الأميركي مقابل العملات الأخرى. و نتيجة لذلك تفاقم عجز الموازين التجارية للدول التي ضعفت عملاتها، و ذلك لارتفاع تكاليف الاستيراد محلياً بمقدار ما يجري بالدولار، ويسرّع معدل التضخم، وهو ما يعادل “استيراد التضخم” مع ارتفاع قيمة الدولار إزاء العملة المحلية.

إن مواجهة دولار صاعد مقابل عملة محلية هابطة، يخلق حافزاً للبحث عن بديل للدولار كوسيط نقدي دولي. و يترائى اليوان الصيني كعملة دولية واعدة، لكنه يصطدم مع تردد شركات و رؤوس أموال دولية بالانتفاح عليه ، اولا لأن حصة اليوان دولياً و مقبوليته تظل متواضعة بحسب مؤشرات دولية عديدة، فهو يمثّل 2.19% فحسب من تمويل التجارة دولياً، و3.5% في بورصة “فوركس” للعملات الأجنبية، و2.76% من احتياطيات العملة الصعبة في البنوك المركزية. ثانيا للعقوبات الأمريكية على الدول التي تنحى نحو العملة الصينية .

ومع ان معدلات اليوان تتصاعد بسرعةٍ، فمن المتوقّع أن تتصاعد تلك النسب، و هو بصدد القفز من خامس إلى رابع أهم عملة دولياً. لأن الصين أكبر مصدِّر وثاني أكبر مستورد وثاني أكبر ممول للاستثمار الأجنبي المباشر دولياً. وقد أسست الصين “بورصة الطاقة الدولية” في شنغهاي منذ عام 2018 لمداولة عقود شحنات النفط من روسيا وفنزويلا وإيران باليوان حصرياً. وكانت الصين قد بدأت شراء النفط من إيران باليوان منذ عام 2012. 

الحصار المفروض على روسيا، حول الاهتمام بالدولار الامريكي الى اليوان الصيني . و صار اليوان الأصفر أكثر عملة تداولاً في سوق العملات الأجنبية الروسية، بنسبة 39%، يليه الدولار الأميركي بنسبة 34%، بحسب المصرف المركزي الروسي مارس 2023. ، كما أن اليوان بات عملة التبادل الرئيسة في تجارة روسيا والصين. و احتل المقام الثاني، بعد الدولار الأميركي، في احتياطيات العملة الصعبة في المصرف المركزي البرازيلي، متخطياً اليورو، منذ نهاية عام 2022، بحسب وكالة “رويترز” أواخر مار 2023

العقوبات المفروضة على روسيا التي تمنع التعامل معها بالدولار الأميركي عجل بهيمنة اليوان الصيني في التعاملات الدولية لباكستان بنغلاديش ايران … . الا ان الولايات المتحدة التي تزعزع عرشها، أرسلت تحذيراً عبر القنوات الرسمية إلى هاته الدول و من ضمنها الهند التي حذرت مواطنيها و شركاتها. و روجت لاستخدام الروبية عبر إعلان مصرف الاحتياطي الهندي (المصرف المركزي) عن السماح للمصارف في 18 بلداً بفتح حسابات في المصارف الهندية بالروبية الهندية لتسديد التزاماتهم منها.

يرى المختصون في أسواق المال ان الصين لها من الذكاء ما يمنعها بأن تدفع باليوان ليصبح بديلاً تاماً للدولار لأن ذلك قد يطيح بفائضها التجاري إذا قوي اليوان إلى درجة تصبح المنتجات الصينية معها أغلى ثمناً خارج الصين. لأن ترك العملة التي تصبح دولية خاضعةً لشروط العرض والطلب، قد يؤدي ذلك إلى تقلبات كبيرة في الاقتصاد الكلي، ومن ذلك إمكانية نشوء عجز في الحساب الجاري للدولة التي تصبح عملتها دولية بمقدار إقبال الأجانب عليها.

لدى تفكر العديد من الدول المتضررة من استبدادية الدولار و خاصة دول البريكس ( روسيا، الصين، الهند، جنوب إفريقيا و البرازيل) بإنشاء عملة جديدة.

و في هذا الصدد، صرح فلاديمير بوتين “أن مسألة إنشاء عملة احتياطٍ دولية تقوم على سلة عملات بلداننا (البريكس) هي قيد المراجعة”. و عزز هذا الطرح نائب رئيس مجلس الدوما الروسي ألكسندر باباكوف، خلال حديثه على هامش منتدى الأعمال الهندي-الروسي في نيودلهي مطلع أبريل الماضي .وقال باباكوف إن هذه العملة الجديدة ستُنشأ على أساس استراتيجي، وليست قائمة على الدولار أو اليورو، وإن تأمينها سيكون بالاعتماد على الذهب والسلع الأخرى مثل المعادن النادرة. مؤكداً أن خطة إطلاق هذه العملة ستُعرَض في قمة قادة “بريكس” هذا العام.

و تلى هذا التصريح، تأكيد (ماي الماضي) من طرف نالدي باندور وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، حيث و ضحت “أنّ إنشاء عملة بريكس جديدة سيكون بنداً رئيسياً في جدول أعمال قمة البريكس المقبلة، في جوهانسبرغ 22 غشت الاتي ، لأنها “مسألة يجب أن نناقشها، وأن تناقَش بصورةٍ صحيحة، وعلينا ألا نفترض دوماً أن الفكرة ستنجح، لأن اقتصادياتها صعبة جداً، وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار ظروف كل البلدان، خصوصاً في حالة النمو الاقتصادي المنخفض عندما تكون خارجاً من أزمات”،

دول عديدة تمني النفس بالانضمام الى البريكس. و من المنتظر أن تلتحق المملكة العربية السعودية، مصر، الأرجنتين بنجلادش، غينيا بيساو و إندونيسيا بالمجموعة و قد تتسع مجموعة “أصدقاء بريكس” خاصة و أن الطلب عليها متزايد. يرى محللون أن مجموعة “بريكس” تملك كل المؤهلات الاقتصادية والديموغرافية والطبيعية لإزاحة هيمنة الدولار عن عرش التجارة الدولية، الذي تَربَّع عليه عقب الحرب العالمية الثانية.

  • Link copied

مقالات ذات صلة